من مكتبة الشارع!! - 23 أكتوبر 2022
2022-11-01 465
وأنا أسير في (شارع هارلي) الشهير في وسط لندن، لفت نظري مجموعة من الكتب المستعملة وضعت في ركن من الشارع تحت لافتة مكتوباً عليها العبارة التالية: «يمكنك أخذ أي كتاب يروق لك مجاناً مع تمنياتنا لك بقراءة مفيدة وممتعة».. بعد قراءة العناوين الموجودة اخترت من بينها كتاب لطبيب الأطفال الإنجليزي بمستشفى بادينغتون غرين في لندن دونالد وينيكوت، المتوفى عام 1976م، الكتاب بعنوان: «اللعب والواقع».. الكتاب يعد مساهمة مميزة في فهمنا للتنمية البشرية.
يقول المؤلف، يسعى الكثير من الآباء بقصد أو بدونه، إلى الوصول لمرحلة من المثالية في تربيتهم لأبنائهم، ويظهر ذلك جلياً من خلال نوعية العلاقة التي تربط الطفل بأبويه، تماماً من خلال العديد من القيود التي يتم وضعها ويطلب من الطفل الالتزام بها حتى يكون طفلاً «جيداً».. غير أن لدونالد وينيكوت وجهة نظر أخرى، هي أننا في سنواتنا الأولى نُحرم الفرصة لأن نعد أنفسنا بالكامل، نظراً لأنّ الوالدين يسعون دوماً لأن نكون متفقين مع رؤاهم وأساليبهم في التربية حتى نكون محبوبين ومقبولين منهم ومن المجتمع.
ذكر وينيكوت أنه توصل إلى أن الأم الجيدة هي «الجيدة بما فيه الكفاية» لأطفالها، وليست تلك التي تحاول الالتزام ببعض المعايير المثالية وغير المحددة للأمومة والتنشئة، ولهذا، فقد أشار وينيكوت إلى مسألة مهمة ربما تغيب عنا في كثير من الأحيان؛ أن الأم الجيدة بما فيه الكفاية تحب أطفالها لكن في أيّ لحظة ممكن يكون لديها مساحة لتكرههم، فالأم ليست «غير محدودة» العطاء كما نتخيل، بل إنها «حقيقة» مليئة بالتناقض مثلها مثل أي شخص آخر.
كما ذكر أيضاً، أن جميع الأمراض البشرية التي يشهدها العالم هي في الأساس نتاج فشل تربية الأبوين واستيعابهم لأبنائهم، فالإجرام والكراهية والإدمان -والكلام لوينيكوت- جميعها نتاج لطفولةٍ بائسة يدفع ثمنها المجتمع في نهاية المطاف.. وللوصول إلى مجتمع أفضل يجب أن نبدأ من غرفة ولادة الطفل.. من أجل ذلك يرفض وينيكوت الأفكار القائلة بأن الأطفال يبكون للفت الانتباه وحتى الأفكار الداعية إلى تجاهل احتياجاتهم..
ولو أردنا اختصار أفكاره لأمكننا القول إن «وينيكوت» أراد من خلال كتابه مساعدة الناس على أن يكونوا، آباءً «جيدين بما فيه الكفاية» لأطفالهم، لا مثاليين كما يدعو إليه المجتمع.. وهو بذلك يعزّز النظرة الواقعية للأسرة والتربية وعلاقة الأبوين الحقيقية بأطفالهم. وختاماً يقول: إن الأطفال البالغين غير القادرين على الإبداع والنمو النفسي والعاطفي السليم، هم في الغالب أبناء لآباء حاولوا تحويل أطفالهم إلى «أبناء جيدين» وفقاً لمعاييرهم وقواعدهم الصارمة، وبطريقتهم هذه قتلوا قدرة أطفالهم على أن يكونوا «جيدين» بشكل صحيح وسليم في مراحل حياتهم التي تلت مرحلة طفولتهم.